كراكوز رئيسًا

0

كان كراكوز محظوظًا للغاية، رغم رعونته وسفهه، أن قيّض الله له ناصحًا أمينًا يقف له عند كل شاردة وواردة ليبيّن له خطأه ويرشده لطريق الصواب، وأحيانًا يتجرّأ ويمدّ يده أو رجله ليوجّه صفعةً أو ركلةً توقظ كراكوز وتفتح عينيه وتزجره عن التمادي في الرعونة والسفه.

عيواظ لم يكن مجرد جليس أو رفيق لكراكوز، فبينهما فارق اجتماعي واضح وفارق آخر عقلي أوضح. كراكوز كان مثالًا صارخًا لذي النعمة غير المسؤول، للطبقة الحاكمة أو حاشيتها من حيث مجونها واستسهالها لارتكاب الأغلاط الفادحة، فيما عيواظ أشبه بمستشار ذي صلاحيات تصل حد التعنيف والأخذ على اليد، كما أنه نموذج مجسم لضمير العامة الذين يتابعون عن كثب غلطات أُولي النعمة التي تستحق منهم الصفع والركل، ويتمنون لو استطاعوا فعل ذلك كما يفعل عيواظ.

رغم البلاهة وانعدام الذكاء الملازمَين لسيادة الكراكوز إلا أنه لم يُلهَم أن يستمع لعيواظ؛ بل لآلاف من عيواظ، نصحوه مرارًا وتكرارًا، شفاهةً وكتابةً، أن يتبنى مشروع إصلاح وتطوير للبلد ينتشلها من قاع التخلف المزري وسلسفيل الفساد المخزي اللذين أوصلها إليهما هو من سبقوه من كركوزات، إلى أن ثار الشعب كله ودوّت صيحاته بالتغيير في أقطار السماوات والأرض، ومع ذلك ظل في غِيّه القديم يَعْمَه ويقاوم ويجادل كما لم يفعل كراكوزٌ من قبل.

“حظه القطران” حرمه من عيواظ مقرّب منه يتقبّل صفْعه وركْله، كان يمكن أن ينصحه ويلجمه عن رعونته. لكن، ولأن حُكْمه بُني على أخَسِّ وأحقر نظم البوليسية في العالم عبر التاريخ، فإن كل من يحيط به من مستشارين وناصحين، يفترض أن يكونوا أمينين كعيواظ، كان همّهم تبرير أخطائه؛ بل تزيينها لتبان وكأنها عين الصواب، وتغطية جرائمه حتى بالكثير من الجرائم المتوالية واللامتناهية لتُنسي اللاحقة منها السابقة.

سبع خطايا موبقات ارتكبها لايمكن غفرانها أو العفو عنها مهما تذرّع أنه مجرد كراكوز لا راح ولا جاء، وأنه من حق أي كراكوز أن يتفنن في ارتكاب الخطايا والغلطات سواء كان له عيواظ أو لا.

  • تسخير كل إمكانيات الدولة لخدمة وحماية شخصه الحقير على حساب الشعب وحاجاته وطموحاته بما في ذلك استهلاك طاقات الجيش والأجهزة الأمنية لإبادة المواطنين بكل ما تعنيه الكلمة حرفيًا ومسح حواضرهم تمامًا عن الخريطة، شعب بأكلمه اتهمه بالإرهاب والعمالة والخيانة، وهو نفسه أولى حرفيًا بكل هذه التهم وأكثر.
  • اتهم مخالفيه بالتطرف والسلفية وادعى العلمانية والحداثوية فيما يتدثر بأقذر أردية الطائفية المستدعاة من سحيق العصور الظلامية. وكأنه “كونت” باريسي حالم بالانتقام لتضحية المسيح من كل سوري وسورية، أو كأنه مغولي لم ير في السوريين والسوريات غير أوعية دموية من اللذة بمكان اهراقها والتصبغ بها، أو كأنه صابئي لا مكان له في الجنة ولا مفتاح له لبابها إلا بقتل ناصبي.
  • اتهم كارهيه بالخيانة والعمالة وادعى الوطنية فيما يتزمل بأوسخ مسوح القومية المستجلبة من أقذر مزابل التاريخ. وكأنه فوهرر نازي من حقه إبادة الأمم الساميّة بناء على توصيات راهب ابتكر أصول علم الهندسة الوراثية وخلص إلى نتيجة حتمية بتفوق عرقه على بقية الأعراق وخصوصا العرق السوري، أو كأنه نمرود كسروي سنحت له الفرصة لغسل عار أسلافه الذين خرم شرفهم وانكسرت شوكتهم على أيدي السوريين في ذي قار وجالديران.
  • ادعى أنه أمين على وحدة سوريا والحفاظ على وحدة ترابها مفتريًا مزاعم أن الشعب السوري يتوق للانقسام كما يتوق قطبا المغناطيس المتماثلين للتباعد والافتراق، وأن السوريين الذين لا يوجد فيهم بيت صاف العرق موحد الدين خالص المذهب يريدون إنشاء إمارات متباغضة وممالك متناحرة تحرق الأخضر واليابس، ولكن ها نحن نراه وقد قنع بما قسمه خامني وبوتين له من سوريا غير مفيدة ولكن متجانسة، ونراه استطاع إقناع بقية السوريين خارج كانتونه المتجانس أن لا حل ينهي المقتلة السورية إلا بإقامة دويلتين أو ثلاثة يمكنها إلى حد ما الاشتراك مع كانتونه بفيدرالية غير محبذة.
  • ادعى حماية الأقليات “المطلوب أجنبيًا حمايتها” من فتك الأكثرية السلفية المتطرفة الإرهابية بها، رغم سخافة الطرح ولا منطقيته ولا واقعيته، ومع ذلك فشل وتسبب بأكبر تغيير ديمغرافي في سوريا لم تشهده في أحلك حقب الحملات الصليبية ولا في عزّ الهجمات التترية المغولية، وتهشمت فسيفساء البلد بسبب رعونته وأنانيته إلى درجة لا يمكن استعادتها، وغادرت عائلات وعشائر وطوائف من أراضيها وأراضي أجدادها حتى إلى خارج البلد وإلى غير رجعة.
  • استباح حيوات ملايين السوريين واسترخصها ثمنًا لما سماه صمودًا في وجه مؤامرة لإقصائه عن جبهة المقاومة والممانعة، فيما هو أول وأكبر وأكثر متعامل ومرتزق في “مسرد أسماء” العملاء المرتزقة. وما كان ليقدر على فعل ذلك والنجاة به كما فعل ونجا أبوه من قبله لولا المؤازرة الصهيونية ومن فوقها وتحتها المؤازرات الدولية لقمع ثورة الشعب السوري التي ربما تغير وجه المنطقة والعالم وتخلخل نظامًا سياسيًا وواقعًا جغرافيًا وتقسيمة طائفية تم إرساؤها منذ منتصف أربعينيات القرن الماضي لإبقاء المنطقة هشة مبتزة مستنزفة يحكمها أراذها ويتسيدها حقراؤها.
  • إضافة طريفة (أقرب لشاذة) قال “مابدي زعل خالتي” أم عاطف نجيب تبريرًا لحمايته لمشعل شرارة الثورة السورية عندما اعتقل وعذب ونكل واغتصب أطفالا بعمر العاشرة في درعا لأنهم تجرؤوا وهتفوا وكتبوا شعارات ضده، وهاهو اليوم “يزعل خاله” أبو رامي مخلوف انصياعًا لنصائح معلمه الروسي وطلبًا لعفو سيده الأمريكي وأولًا وأخيرًا كرامةً لحبيبته “أم حافظ” التي وقفت بإخلاص إلى جانبه طوال فترة “الأزمة” وتريد إحلال أصدقائها من آل مسوتي وآل الدباغ بدلًا من مخلوف وآله اللاكرام.

أي موبقات أكثر يمكن أن تُغفر لكراكوز ليُسمح له ببقاء صوري في سدة السلطة أو حتى بخروج آمن، وما سبق غيض من فيض؟. حتى لو كان ثمة عيواظ في حاشية كراكوزنا لما اكتفى بصفعه وركله؛ بل لقضى عليه وجعله عبرة لمن لايعتبر فضلًا عمن يعتبر. لكننا أولًا وأخيرًا نعيش هزلية مسرحها خيال وظلال، هكذا اكتشفنا الحقيقة متأخّرين، وليس لنا كمتفرجين ومتابعين إلا الأمل بنهاية يصوغها من يحرّك دمية كراكوز، نهاية تبهج قلوب كل المتابعين وتثير تصفيقهم وتغسل آلامهم وتلأم جراحهم، أو يتكرّم علينا بإظهار عيواظٍ يوجه لكراكوز صفعة أو ركلة تخرجه من المشهد إلى غير رجعة.

عبدالرحمن ربوع

مشاركة المقال !

اترك تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.