وداعًا رامي مخلوف

0

مثير للاستغراب ما نشرته عدد من كبريات الصحف العالمية مؤخرًا وكشفت به عن صدمتها إزاء تقارير نشرت حديثًا عن فساد كبار مسؤولي النظام في سوريا، وذكرت من أمثلته لوحة ديفيد هوكني “سبلاش” التي قدّمها بشار الأسد كهدية لزوجته بعد شرائها بثلاثين مليون دولار رغم ما يعانيه نظامه من حصار وما يعانيه الشعب السوري من تدهور اقتصادي ومعيشي وشتات وتشرّد. ومن الطريف أن بعض الصحف أشارت إلى “ذهول السوريين” بعدما اعتقدوا أنهم رأوا حتى الآن كل شيء فيما يتعلق بفساد قيادتهم ليتفاجأوا أنهم لم يروا من الجبل إلا قمته ومن الجمل إلا أذنه.

عبد الرحمن ربوع

وبغض النظر عما يُذهل السوريين أو يُثير غرابة كتّاب الصحف العالمية أو يدفع صحفًا وتلفزيونات روسية رسمية للتعليق على أو مناقشة فساد النظام في سوريا، يبقى الحدث الأبرز مؤخرًا على الساحة السورية الظهور العلني للصراع داخل أروقة النظام والخلافات بين رامي مخلوف والحكومة السورية على ضرائب مستحقة ومتأخرة السداد وامتناع مخلوف عن تسديدها واضطراره لمخاطبة بشار الأسد شخصيًا عبر مقطع مصور منشور على موقع فيسبوك يستجديه التدخل.

جاء ذلك متزامنًا مع فضيحة “سبلاش” التي كشفتها وسيلة إعلامية قريبة من الكرملين، فيما يشن الأسد “حملة ضد الفساد” لتأمين أموال يدير بها الدولة المحاصرة ويمول عمليات عسكرية وأمنية سواء في إدلب أو درعا أو الجزيرة، لنقرأ ضلوع الإعلام الروسي الرسمي في حملة لفضح رامي مخلوف وكشف فساده المعبّر عن فساد النظام السوري كقرينة على ضغوط روسية على “زلمة إيران” وكل من يحيط به وخصوصًا حماه وليد عثمان وزوجته رزان.
مخلوف يبدو اليوم مطلوبًا رأسه فداءًا للنظام، لتحميله جريرة كل ما وقع في سوريا من فساد حكومي خلال عشرين عامًا وأدى إلى الثورة السورية المستمرة منذ تسع سنوات، فضلًا عن تمويله الحرب على الشعب والمجازر التي ارتكبت بحق آلاف المواطنين، وهاهم موظفوه ومديرو شركاته رهن الاعتقال، ومؤسساته “الخيرية” عاجزة عن دفع عطايا المستحقين، فيما هو مختبئ في إحدى مزارعه “الرهيبة والمهيبة” قرب دمشق وعاجز عن التحكم بجزء كبير من أمواله وممتلكاته داخل البلد وغير قادر على الوصول إلى ما يملك خارجها.

بطبيعة الحال لا يمكن للأسد المساس بثروته هو الشخصية لتمويل بقائه واستمرار نظامه، فهذه مهمّة ووظيفة من يحيطون به ممن كوّنوا ثروات قبل وخلال الثورة بتسهيلات مقوننة من الأسد نفسه، وعلى رأسهم رامي وأبيه محمد، محمد الذي يبدو ملتزمًا بالدفع أكثر من ابنه، ابنه الذي باتت بعض أصوله تحت الحراسة القضائية، وعليها متأخّرات ضريبية كبيرة جدًا تعجز عنها بنوكه وأرصدته داخل البلد كما تعجز بنوكه وأرصدته خارج البلد عن الحركة لإنقاذه ورفع حد السكين عن رقبته.
وفيما الضغوط الروسية مستمرة على الأسد ونظامه لتأمين خروج سلس من الأزمة الاقتصادية الخانقة بفعل العقوبات الدولية ومصاريف الحرب على الشعب وكلفة إعالة عشرة ملايين مواطن هم من تبقوا تحت سلطته من أصل خمسة وعشرين، لا يجد الأسد بدًّا من الضغط على رجالاته وحاشيته لتمويل كل ما يطلب الروس تمويله من مشاريع ونفقات، وإن كان قد اضطر في وقت سابق من العامين الماضيين لاستحضار عدد من رجال الأعمال الذين صنعهم ومولهم و”لحوم أكتافهم من خيره” وأجبرهم على نقل استثماراتهم من عدة دول عربية وأوروبية إلى سوريا، فإنه اليوم مضطر ليمد يده إلى مال ابن خاله وأقرب المقربين إليه ليسد عجز الميزانية ويثبت قدرة حكومته على التحكم بالاقتصاد المنهار وإدارة الأزمة الخانقة.

قبل أيام كتب أليكسندر أكسينوك، نائب رئيس المجلس الروسي للشؤون الدولية، انتقادًا لازعًا لحكومة الأسد، واتهمها بعدم القدرة على التحكم بالاقتصاد، لافتًا إلى أنه من الواضح بشكل متزايد أن النظام متردد أو غير قادر على تطوير أسلوب حكم يحدّ من الفساد ويسمح بالانتقال من اقتصاد عسكري إلى علاقات اقتصادية طبيعية، تسمح لروسيا بأن “تقنع العالم بالإبقاء على الأسد رئيسًا في سوريا في ظل غياب أي بديل”، فيما السوريون أنفسهم وتحديدًا ممن يقبعون تحت سلطة النظام يرغبون بحسب استطلاع نشرته وكالة ريافان الروسية في “ظهور سياسيين سوريين جدد يقودون المرحلة القامة عقب انتخابات 2021″ وهذا نموذج من الضغوط التي يعانيها ويقاسيها الأسد وألجأته لوضع يده في جيوب خاله وأبنائه.

ولا يبدو أن رامي سيستسلم أو يسلّم ليكون كبش فداءٍ يداري سوءاتِ الأسد ويمحو خطايا نظامه، وقد اختار المواجهة بعد أن انكشفت النوايا المبيتة ضده، وها هو يستدرّ عطف إيمان الولي الفقيه في إيران ومليشياته العاملة في سوريا بتبني خطاب ديني، كما يستفزّ نخوة شباب طائفة العلويين المستفيدين من وظائفهم في شركاته ورواتبهم من أمواله لحمايته والوقوف حائلًا بينه وبين مصادرة أمواله أو إنهاء حياته، كما فُعل سابقًا بغيره من مسؤولين كبار كُثر مقربين من الأسد، وبعضهم أقرب وأعزّ، ومنهم اللواء آصف شوكت الذي تجرّأ وناقش في اجتماع لخلية الأزمة مع مسؤولين عرب مسألة تنحي الأسد لتجنيب البلد حربًا أهلية فكان مصيره ما كان في نفس الاجتماع.
ومع إصرار رامي على المقاومة متمترسًا خلف خطابه الديني ومنطقه الطائفي وسطوته المالية و”موانته” على بعض المليشيات والمجاميع العسكرية والأمنية؛ لا يبدو الأسد مستسلمًا أو مقدّرًا للعِشرة و”الخبز والملح”، وهو ماضٍ بـ”تنفيذ القانون” وتطبيق اللوائح لـ”تشليح” رامي كل أو معظم ما يملك من أصول داخل البلد، وتجريده ما أمكن مما في خارجها، بالتزامن مع إلغاء كل القوانين واللوائح والأعراف التي كانت تسمح لرامي وكل آل مخلوف بجني المال، ومنح هذه الامتيازات لأشخاص جدد يبدو أنهم مقربون من السيدة الأولى التي أعطت لنفسها دورًا إداريًا في النظام بعد أن كانت متفرغة تمامًا لأولادها الذين كبروا و”شبشبوا” وصار لازمًا تأمين مستقبلهم السياسي والمالي.
عبدالرحمن ربوع

مشاركة المقال !

اترك تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.