روكسلان الأسد وحمودي مخلوف

0

السياسة “فن الممكن”، عبارة يدرسها طلبة العلوم السياسية لإعدادهم ليكونوا كادرًا إداريًا يتولى حقائب ومسؤوليات وزارية كما في وزارة الخارجية، فيما السياسة التي يتولى متقنوها “بدون دراسة” حقيبة الحكم والزعامة فإنها “فن التآمر”.

عبد الرحمن ربوع

بطبيعة الحال لا يمكن البوح علنًا ولا التصريح بحقيقة السياسة حياءًا من السيد الحاكم وحرصًا على مشاعره أن يطالها الغضب أو الحنق وعلى سمعته أن يطالها التخوين والتشكيك، لكن لا بأس من التعريض بالحقيقة طالما الحديث عن آل الأسد وحاشية آل الأسد، فهي فرصة نادرة ومؤقتة للكتّاب لملامسة الواقع وكشف أستاره وتحليل معطياته وفق حقيقة علم وفن السياسة السائدَين والمترسخَين على الأقل في مجتمعنا ومحيطنا وتاريخنا وتاريخ محيطنا منذ قرون.

أسبوعان مرّا مؤخرًا في واقعنا المتبلد الغارق في العطالة منذ شهور طويلة أُفعما وأُشبعا بأحاديث مطولة وتحليلات معمّقة إثر ظهور نادر لـ”الأستاذ” رامي مخلوف، “حوت” الاقتصاد السوري الأول بلا منازع عبر عقدين من الزمن، على صفحة في موقع فيسبوك ليشكو الحكومةَ التي فرضت عليه دفع مبلغ ضريبة باهظة سبق أن دفعها “شفقةً وإحسانًا” لعائلات مئات آلاف الشهداء والمصابين في الجيش العربي السوري وقوات الدفاع الوطني، وليستعطف قلب “السيد الرئيس” للتدخل لإعفائه من الدفع أو ليتسلم شخصيًا المال المطلوب وينفقه بمعرفته في مصلحة الدولة أو على المحتاجين ممن ضحّوا لأجل بقائه في الحكم خلال السنوات التسع الأخيرة.

بعض المتصدّرين لقائمة الشخصيات المؤثرة في الرأي العام من سياسيين ونشطاء وإعلاميين، إرضاءًا لشغف الجمهور، ربطوا واقعة ظهور “الأستاذ” بصراع مفترض أو مزعوم بينه وبين زوجة “السيد الرئيس” أسماء الأسد، بناءًا على معطيات غائبة تمامًا وسرية للغاية، فيما المعطيات الوحيدة الظاهرة هي إبعاد الأستاذ عن الرئيس بدليل اضطراره للظهور علنًا على موقع فيسبوك (وهو الموقع الذي كان يودي بحياة السوريين مطلع الثورة خلف الشمس إن تم القبض عليهم متلبسين به عند حاجز عسكري أو أمني أو حتى خلال تفتيش منزلي)، بالإضافة إلى كشف موضوع الضرائب المتأخرة عليه، وأخيرًا عنونة الرسائل المصوّرة وتضمينها آيات قرآنية، وهذا ملمح غريب وشاذ من ملامح العائلة الحاكمة وعائلات الحاشية وهي المصنفة كعلوية وعلمانية.
والجمهور الذي يتابع بشغف “ثاني” أبرز وأخطر “خرق” من العيار الثقيل في حياة العائلة الحاكمة و”الطائفة الكريمة”، مُنْساق لما ألمح إليه بعض المحللين أن السبب وراء كل هذه الزوبعة “الجادة والخطيرة” يكمن في صراع اندلع مؤخرا بين “الأستاذ” وشركاه من جهة مع رجال أعمال مقربين من زوجة الرئيس من الجهة الأخرى، وأن مقربي “سيدة القصر” المدعومين من روسيا يريدون الحلول محل رامي وشركاه من محاسيب إيران ومدعوميها.

على فرض صحة هذا التحليل لمشكلة “الأستاذ”، وأنها نتيجة صراع أكبر بين روسيا وإيران على الأرض والمقدّرات السورية، وأن أزلامهما يتنافسون ليحل فريق مكان الآخر أو ليحافظ على مكانه ولا يسمح بصعود الآخر، يبقى التفسير المنطقي لما حدث هو التفسير البعيد عن نظرية المؤامرة التي لا نملك من معطياتها أي معطى، وهو التفسير القريب من طبيعة النفس البشرية “الحاقدة الحسودة”، خصوصا نفسية الأم “سيدة القصر” التي مُنيت بابن “أهبل” أو “هضيل” ليس في سجله غير الأصفار المكعبة، ولم يؤرشف “غوغل” له غير صور تتضمن ابتسامات بلهاء.

لكن هل يمكن للحقد والحسد المشتعلين في “قلب أم” أن يوصل بلدًا كسوريا تحكمه عائلة كالأسد لما وصلت إليه مؤخرًا من صراع صريح ومعلن بين ربة العائلة وفرد من الحاشية؟ وما معطيات ذلك وما شواهده؟.
المعطى والشاهد أمر واضح وصريح لكن ليس مصدره الفيسبوك؛ بل أنستغرام. إنه نشاط “حمودي” ابن “الأستاذ” على أنستغرام ونشره عشرات الصور والمنشورات عن حياة الرفاهية الأسطورية التي يحياها حول العالم والمشاريع التي يديرها أو يطلب من متابعيه اقتراح إنشائها رغم حداثة سنه وضحالة معرفته وسطحية عقله وتفكيره، ولكنه “بما يستعرضه” ويتفاخر به أمال قلوب ونال مديح عشرات آلاف المتابعين، وخصوصًا منهن “صبايا العطاء” اللواتي يفترض بهن المدح والتغزل بابن “سيد الوطن” رغم “هضالته” ورغم أنه لا يملك حسابًا صريحًا باسمه على أي من مواقع التواصل الاجتماعي.

وهل هذا ينفع ليكون سببًا ومدعاةً لغضب “أم ابن سيد الوطن” من “الأستاذ” أبو حمودي، لأن حمودي خطف الأضواء وقلوب صبايا الحاضنة الشعبية من ابنها “ابن سيد الوطن” وولي عهده “الهضيل”؟ نعم ينفع ووقع سابقًا في نفس العائلة عدة مرات أشهرها ما قام به شخصيًا سيد الوطن الأول والقائد الخالد “الأب” مع مواطن تجرأ وفاز في مسابقة للفروسية على ابنه “شهيد الوطن” النقيب الركن الفارس المهندس المظلي الشبيبي الطليعي باسل الأسد فكان مصيره غياهب السجن بدون تهمة أو محاكمة.

أما في التاريخ فقد شهدت الإنسانية عشرات وربما مئات الحالات المشابهة، وأقربها لنا وأشهرها عندنا عندما احتالت وتآمرت السيدة روكسلان الروسية، الزوجة الثانية لسليمان القانوني، ليتمكن ابنها محمد من خلافة أبيه بدلًا من أخيه الأكبر غير الشقيق مصطفى، ولتحمي أولادها من مصير محتوم هو الإعدام بحسب ما جرت عليه العادة في حكم العثمانيين عند تنصيب خليفة جديد غالبًا ما يكون الابن البكر فيُقتل كل إخوته ومَنْ لهم حقٌّ ثانوي بولاية العرش، ولكن مساعيها ودسائسها وكل “حرّها ولوْصِها” التي وصلت حد القتل والاغتيال وتلفيق التهم والتي أطاحت برؤوس أمراء ووزراء باءت بالفشل بموت ولدها محمد ثم موت أخيه الأصغر جهانكير قبل أبيهما وقبل أن تتمكن من رؤيتهما على العرش.

قرينة أخرى، لا يمكن إغفال ملاحظتها وهي قفل وإغلاق “حمودي” لحسابه في انستغرام، حسابه الذي قضى شهورًا كثيرًا وربما سنوات ينشر عبره صور نظراته الذبّاحة وعضلاته المفتولة وبشرته المشوية واكسسواراته “السينييه” وواجهات قصوره وسياراته الفارهة، مضحيًا بآلاف المتابعين والمتابعات وبآلاف قصائد المدح وتعليقات التودد وأغاني الغزل. وما السبب؟ إنه ليس لإثبات عجز “الأستاذ” عن دفع مستحقات الضرائب للدولة السورية، فهذا لا يثبته حذف حساب مكتظ بصور الغنى الفاحش على انستغرام، فالعقارات والسيارات والاكسسوارات قد تمت أرشفتها في ذاكرة السوريين ولدى مفتشي الضرائب، وهي بالأساس معروفة ومحددة بالاسم والتاريخ والعنوان والسعر في إضبارة خاصة في درج مكتب “سيد الوطن”. إنه أي “حذف حساب حمودي في أنستغرام” لامتصاص غضب وتخفيف امتعاض وتبريد غليل “روكسلان الأسد” التي لم ترزق بابن كحمودي؛ بل بثاني أشهر هضيل في سوريا، ويجب عليها، كما استطاع الهضيل الأول خلافة أبيه الخالد، أن تسعى ليتمكّن ابنها من خلافة أبيه بعد عمر طويل طويل، طويل لحد أنه لا محالة غير آت.
عبدالرحمن ربوع

مشاركة المقال !

اترك تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.