آلة الله مخلوف

0

هل يمكن لبشر التجرؤ على تعطيل آلة الله أو الاستغناء عن أداة الله؟ آلة الله وأداته التي تنشر الخير وتزرع المعروف خصوصًا في زمن الحرب وزمن الجائحة؟.

سؤال غريب غرابة أطروحات العقيد النمر التي ألِفها السوريون بضفتيهم، الموالاة التي تقبل وتهتم، والمعارضة التي ترفض وتسخر. سؤال طرحه “الأستاذ” رامي مخلوف، رجل الاقتصاد الأول في “سوريا الأسد”، من محبسه الاختياري وسردابه المنيع.

عبد الرحمن ربوع

وغرابة السؤال من غرابة ما ورد فيه من مفردتين اصطلاحيتين “آلة الله”، “أداة الله” المذكورتين فيه، وللمصادفة الصرفة تقاربهما من مسميات “حزب الله” و”أنصار الله” و”آية الله” و”رجال الله” وكلها مصطلحات شيعية وعلوية تبرر من خلاها هاتان الطائفتان ما تمارسه من سياسة وإدارة للبلاد التي تحكمها أو تتحكم بها.

يتساءل مخلوف “مستنكرًا” عن جرأة “البعض” على آلة الله وأداته التي اصطفاها وسخّرها لتدير وتسيّر اقتصاد بلد لنحو عشرين سنة، نصف هذه السنين شهدت حربًا كونية وحصارًا دوليًا. “آلة الله” التي عملت قبل وأثناء الحرب على خدمة مصلحة النظام والدولة فيما “الآخرون” عملوا قبل الحرب وأثناءها خدمة لمصالحهم المعاكسة لمصالح الدولة، وهم اليوم في الغالب خارجها يتنعّمون بما جنوه بـ”ما لا يرضي الله”.

عرفتُ مسمى “آية الله” بعد استيلاء خميني على الحكم في بلده، عرفته بهيبة اسم “الله” فيه، وظلت “الهيبة” مغروسة في اللاوعي واللاشعور (مسميان لكائنين أسطوريين لا أساس لهما من الصحة أو الواقع شأنهما شأن الأثير الذي عرفناه اسمًا ولم ولن نعرفه شيئًا) لدى كثيرين منّا حتى نضجنا وفتحنا أعيننا على أكبر عملية سطو سياسي وديني في تاريخنا المعاصر قام بها أفراد كخميني وأضرابه من مشايخ الشيعة المتسلطين على رقاب وأموال وأعراض أتباعهم باسم “الله” بعد أن أضافوا أشخاصهم إليه. كما عرفناه في جماعتي “حزب الله” و”أنصار الله” اللتين لا غاية ولا هدف ولا دور لهما إلا تقتيل وتشريد “خلق الله”، وخصوصًا من المسلمين اللذين تدّعيان زورًا وبهتانًا أنهما منهم فيما بعدهما عن الإسلام نصًا وروحًا أبعد مما بين المشرق والمغرب.

قد لا يحظى مخلوف بفرصة نيل أو تثبيت لقب “آلة الله” أو “أداة الله” الذي منحه لنفسه خلال إطلالته المصورة الأخيرة المعنونة بـ”إن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين”، خصوصًا وأن مريديه، وإن كان عددهم بعدد موظفي شركاته ومصانعه وفنادقه وبنوكه ومطاعمه وعدد مستحقي دعم مؤسسته “راماك الخيرية أو الإنسانية، إلا أن هؤلاء “الآلاف” لا قِبل لهم بضغوط أجهزة الأمن والمخابرات، بما في ذلك “أخوه” الذي استسلم ووقع على التنازل عن أسهمه واستقالته من منصب نائب رئيس مجلس الإدارة من أول طلب وخلال الخمس دقائق الأولى من لقائه بمندوب القصر الجمهوري خوفًا على حياته وأملاكه وحيوات وأملاك أفراد أسرته، فضلًا عن كونه لا يملك رفاهية الاختباء في “مزرعة رهيبة” كتلك التي يملكها رامي خارج دمشق بحسب وصف روبرت فورد.

رسائل مخلوف الواضحة خلال التسجيل المصور هي رفضه التنازل عن “سيرياتل” لصالح أشخاص آخرين أصبحوا مقرّبين أكثر منه للنظام، ورفض العقد الحصري والإذعاني مع “شركة توريدات”، لأن هذا “حرام” و”ظلم” و”لايجوز”، وأنه لن يتنازل عن الشركة لأن ذلك سيدمرها ويدمر اقتصاد البلد، كما أنه لن يدفع الـ120% من إيرادات الشركة التي طُلب منه دفعها، حتى وإن كان ثمن الرفض تأميم الشركة أو الحجز عليها وحبس أصحابها.

وعدا عن أن هذه الإجراءات التعسفية بحق “آلة الله” حرام وظلم ولاتجوز، وستدمر اقتصاد البلد؛ فإنها ستكون السبب في “زوال البركة”، وستضر بأعمال “راماك الإنسانية”، و”إذا لم يحاسبكم أهل الأرض سيحاسبكم أهل السماء”. هذا أيضًا مصطلح جديد لم أسمع به من قبل ولا أعرف من هم “أهل السماء” الذين يحاسبون الناس. ربما كان يقصد “الله” نفسه أو الرب بمفهومه هو حسب دينه الذي يجيز، حسب ما سمعت وفهمت، التناسخ والتعدد والحلول.

ثم في الختام تهديد صريح “هذا لا قِبَل لكم به”، ويقصد أسلوبَ تشليحِ رجالِ الأعمال أعمالَهم وأموالَهم و”تطفيشهم” وإجبارهم على ترك البلد والهروب منها سرًا وخلسةً فارّين بجلودهم وعائلاتهم، وهو الأسلوب الذي كان هو نفسه جزءًا منه بشهادة كل رجال الأعمال المعارضين الفارّين من سوريا. وإن كان هذا الأسلوب قد نجح مع غيره وتم للنظام ولمخلوف نفسه الاستيلاء على ما استولى عليه من غيره، فإنه لن يتم ولن ينجح مع “آلة الله” أو “أداة الله”، لأن هذا لا قِبل للنظام به وهو فيما هو فيه اليوم من ضعف وهشاشة وهوان، وبرنامج “جريح الوطن قادر متمكن” برعاية سيدة القصر أو سيدة الياسمين الذي يرعى 1118 معاقًا من “رجال الأسد” من الجيش والشرطة والقوات الرديفة بمليار و451 مليون ليرة لن يسدّ فراغ غياب “فاعل خير” الأول في سوريا حتى مع مصادرة أمواله كلها وتوزيعها على ضحايا حرب “الأسد أو نحرق البلد”.

لا يبدو مخلوف الذي يعتقد في نفسه أنه آلة أو أداة الله سخّرها لخدمة طائفة من السوريين ومؤازرة نظامهم الحاكم عشرين سنة سيستسلم لضغوط تشليحه “سيرياتل” أو أي شركة أخرى، وأنه سيقاوم حتى النهاية بحثًا عن تسوية يقدر بموجبها على الخروج آمنًا ثريًا كما خرج من قبله رفعت أسد، خروجًا لا ينهي دوره في المشهد السوري وإن كان سينتقل من قطاع الاقتصاد الذي لا يفهم فيه شيئًا إلى قطاعات أخرى أسهل وأربح كقطاع السياسة وتأسيس تجمع سياسي معارض للمعارضة ولا ينتمي للنظام على غرار “التجمع القومي الديمقراطي الموحد”، وربما يُطلق عليه تسميةً تليقُ بأنْ يُطلَق على مؤسسه وأمينه العام لقبُ “آلة الله”.

عبدالرحمن ربوع

مشاركة المقال !

اترك تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.