كان غريبًا، حدّ الصدمة، شعورُ الهلع الجماعي، وحجم الاهتمام الإعلامي العالمي بوباء كورونا “كوفيد19” عقب انتشاره واستفحاله في الصين مطلع العام الجاري، ونجاحه في اعتلاء أسوارها واجتياح العالم عبر كبريات المدن الكوزموبوليتانية من هونغ كونغ إلى اسطنبول إلى باريس إلى لندن إلى نيويورك، ولكن لم لا وقد أصاب مئات الآلاف من الناس وفتك بعشرات الآلاف منهم في ظاهرة لم تشهدها الأجيال الثلاثة الفائتة من البشرية حتى غاب ونُسي احتمال تكرارها.
لم تحظ الأوبئة السابقة التي سببتها “عائلة كوفيد” على مدى سنين طويلة بنفس الاهتمام، ولم تُثِر نفس الرهبة في الرأي العام العالمي أو في “صنّاعه” بتعبير أدق، ما عدا الإيدز طبعًا، بسبب النسبة الكبيرة من المثليين في أوساط الصفوة الاجتماعية المتحكمة بالسياسة والاقتصاد والإعلام في العديد من دول العالم.
كما لم يكن “أشقاء” كوفيد19 الأكبر سنًّا ليخيفوا الصفوة وقادة المجتمعات وروّاد الأعمال ووجهاء قوائم الفوربس ومليارديرية وادي السيليكون أو من تبقى من عائلة روتشيلد وحاشيتها وحواشيهم، طالما لم ينجح المصابون في مغادرة الساحل الغربي لقارة إفريقيا، كما لم ينجحوا في تخطي السلك الشائك بين تكساس والمكسيك.
لأول مرة نرى تحقق أحد أسوء السيناريوهات الهوليودية التنبؤية على أرض الواقع. ولأول مرة نرى إسقاطًا حقيقيًا لأحد أنماط شطحات رواد الخيال الروائي أمثال هربرت ويلز وويليام جيسون وفرانك هربرت أو السينمائي وروادها منذ جورج ميلييه وفريتز لانج إلى ستانلي كوبريك وأمثالهم ممن حاولوا مليًا ترجمة وتجسيد مخاوف وآمال البشر في أعمال أدبية أو سينمائية.
قبل سبعين عامًا ونيّف ساد اعتقاد لدى النخب الحاكمة في العالم (أو هكذا توهمّنا) أن الإنسانية سيطرت على طبيعتها البشرية، وعلى مقدّرات كوكب الأرض إلى درجة قصوى من التحكم، وأن الخطر الوحيد الممكن الحدوث هو غزو فضائي تشنّه كائنات تقطن المريخ أو قادمة من كوكب “TOI 700d” أو كوكب “K2-18b”، أو على الأقل كويكب نيبيرو أو مذنب صدف أن خرج عن مساره في الفضاء لتنفيذ عمل انتحاري تجاه كوكب الأرض وقاطنيه.
ولايزال بعضنا يذكر ما عاناه الناس من رعب بسبب وباء الإيدز قبل ثلاثة عقود، رعب عايشَتْه ولامسَتْه شريحة كبيرة من شرائح الصفوة بسبب نمط حياتها الخاصة وميولها الجنسية، لكن عدوى الرعب تسللت إلى مليارات الناس فقط لأن 1% من المصابين فقط تعرضوا للإصابة بسبب خطأ “غير مقصود” أثناء عملية نقل دم من مصاب إلى معافى.
اليوم فهمنا أسباب ذلك الاعتقاد الذي روّجه الإعلام المموَّل من الشركات الراعية والمساهمة في مؤسسة “ناسا” ومثيلاتها، وبناءًا عليه استطاع حجز جزءٍ كبيرٍ من ميزانيات الولايات المتحدة الأمريكية وأخواتها في الغرب والشرق لعقود لصالح برامج ومشاريع غزو الفضاء واكتشاف مجاهله وسبر أغواره لضمان السيطرة على الفلك وتملّك موارده حال اكتشافها، أو التمكن من الاستحواذ عليها يومًا ما، أو روّجه الإعلام الموجّه من قِبل الصفوة السياسية الحاكمة والمرتبطة “علائقيًا” بنجوم الفنون البصرية والسمعية ومخاوف افتقاد بعضهم بعد أن تسلل الـ”سيدا” إلى دمائهم.
كل هذا دون إخلال بواقع حيوات مليارات الأشخاص المطلوب بقاؤهم دون خط الفقر وضمن مستعمرات الحد الأدنى للعيش وداخل دوامات أعمال الخدمة الروتينية سواء في الحقول أو المصانع أو مكاتب الـ”داون تاون” ولا ينالهم من حظوظ الصفوة إلا مخاوفها وما ينكد عليها عيشها، وحرمانهم “نسبيًا” من أدوات الوقاية وبرامج العلاج.
ومع أنه لا يجدر بالناس حول العالم الشعور بالرهاب أو الفزع من فيروس كوفيد19 أو أي من “إخوته” أو “جيرانه”، حيث إن احتمالية تعرضهم للإصابة أو الموت بغيره ما كانت لتنقص حتى خلال الأيام الأخيرة الفائتة جرّاء التزامهم بقرارات الحظر الإرادي أو الإجباري أو تعليمات الحجر المنزلي أو العزل الصحي في مراكز احتجاز؛ لكن، ولأن الصفوة تشعر بالرعب من الإصابة بالفيروس وربما الموت بسبب الوباء الذي لا يعرف الحدود ولا تمنعه الحواجز أو السواتر ولا يفرق بين غني وفقير أو بين أمير وغفير، فعلى العامة مشاطرتها ذلك. ولأن الصفوة مضطرة لمعايشة الحجر أو العزل وتحمّل “الخنقة” وتقييد الحركة فعلى العامة تحمُّل المثل.
ورغم أنه من السخف التقليل من خطورة جائحة فيروس كورونا “كوفيد19″، إلا أن الأسخف والأخطر الإحساسُ بالرِّهاب والسماح لمشاعر الرعب واليأس بالتسلل إلى قلوب ونفوس الناس سواء مصابين أو معافين، وخصوصًا في الدول “النامية” التي تبدو محصّنة إلى حدٍّ كبير وأفضل من قريناتها المتقدمة لا لشيء إلا لأن ظروفها الصحية المتدهورة إلى حد الدمار الشامل منحت مواطنيها ما يشبه المناعة، بالإضافة إلى أن ظروف الفقر والعدم تفرض على مواطنيها حَجْرًا معتادًا وعزلًا ممتدًا قبل الجائحة وخلالها وبعدها.
عبدالرحمن ربوع