زمن المعجزات ولّى وتل أبيب ليست بدعة

0

معجز حقًا إيقاف الحرب في سوريا، كما كان معجزًا أن يثور الشعب السوري ضد نظام الأسد قبل أكثر من ثماني سنوات!. وكما كان غباء النظام وتضخم مصادر قوته واستعداده لقمع أي حراك شعبي سببًا في اشتداد سعار الثورة وامتدادها واستمرارها؛ سيكون نفس الغباء الذي زج بحلفاء طامعين به وبسوريا، ونفس التضخم الذي فشّ وتقلص حدّ الاختفاء سببًا في انتهاء الحرب وانطفاء أوارها.

وكما أن لكل معجزة نبيّ يؤدّيها، فمعجزة أن تنتهي الحرب في سوريا تحتاج لنبيّ، وحيث لا نبيّ اليوم، وحيث إن زمن المعجزات ولّى، فقد رأينا أدعياء نبوّة كثر بشرّوا بانتهاء الحرب وعملوا على ذلك، مخلصين أو منافقين، أدعياء سوريون وغير سوريين، إنها ساحة مفتوحة للتبشير، وميدان لا أبواب له يخوضه كل من هبّ ودبّ وقال أنا صاحبها وأنا أهل لها.

مؤكد أن هناك من لا يريد لهذه الحرب أن تنتهي، أو يريد لها أن تنتهي حسب مزاجه وهواه وما يحب ويأمل، وهناك من يريد لها النهاية بأي صورة وأي نتيجة ليرتاح من آلامها وصداعها، ولكن تداخل الأطراف الدولية وتعارض مصالحها، باختصار، هو الحائل والمانع حتى الآن بتطبيق وتنفيذ إنهاء الحرب، فالغالبية تريد ولكنها تنحو بتصرفاتها إلى نتيجة معاكسة وداعمة لاستمرار الحرب.

فكل من يتغنّون بالسلام في سوريا نراهم علنًا أو سرًا يرسلون المزيد من التعزيزات واللوجستيات إلى جبهات المواجهة وللأطراف المتحاربة، وقبل كل اجتماع أو مؤتمر يطلقون العنان لحناجرهم وأبواقهم تتغنى بالعمل والحرص على إنهاء الحرب وإحلال السلام، لنفاجئ بمشاورات هزيلة أو هزلية لا ترقى لإنهاء عذابات معتقل أو لإحلال فرحة في قلوب ذوي مختطف أو موقوف أو مفقود.

آخر الإبداعات، وإن شئت قل “ثالثة الأثافي”، نتنياهو يرعى اجتماعًا أمنيًا لحل الأزمة السورية، اجتماع أمريكي روسي إسرائيلي في تل أبيب، لقاء ثلاثي لقادة مجلس الأمن القومي، الأميركي جون بولتون، والروسي نيكولاي بتروشيف، والإسرائيلي مائير بن شبات، وبالطبع يستهل اللقاء ويستمر وينتهي بالابتسامات تتخللها الضحكات وهو يناقش أعقد أزمة سياسية وعسكرية استهلكت حتى الآن أكثر من نصف مليون إنسان وشرّدت عشرة، أزمة تخطت الحدود ووصلت تبعاتها ومخاطرها لكثير من دول العالم في أوروبا وأفريقيا وأمريكا وآسيا.

نتنياهو يعتبر أن لقاءًا في تل أبيب “فرصة” لأخذ دور مباشر في تسوية الأزمة في سوريا، طبعًا بما يضمن مصالح إسرائيل، ويجعلها شريكًا إقليميًا رئيسيًا لمصالح القوى العظمى في سوريا، فرصة للحلول محل إيران، ليس بصورة عسكرية فجّة، بل بصورة سياسية ناعمة تضمن ما كان ساريًا من اتفاقات غير معلنة مع نظام الأسد قبل الثورة. نتنياهو يبشر بنفسه نبيًّا قادرًا على صنع معجزة في سوريا، ولم لا وهو ليس أقل من غيره من أدعياء النبوة دهاءًا وإمكانيات، ولكن إلى أي حدّ يمكن أن يكون الأداء مقنعا فضلًا عن كونه ناجحًا أو ممكن النجاح.

صحيح أن نظام الأسد اعتمد على استقرار حكمه وتسيّده في سوريا لعقود طويلة، ضمن ما اعتمد عليه، على التنازل عن الجولان وحماية حدود إسرائيل، لكن هذا لم يعد متاحًا الحديث عنه أو التعويل عليه بعد ثماني سنوات دمرت سوريا وجيشها وكل أسباب قوتها العسكرية والاقتصادية، فإسرائيل لم تعد تأبه لأي خطر يأتي من سوريا غير خطر مليشيات إيرانية الجنسية أو الولاء قد تتهور يومًا ما وتقدم على عمل “محدود” ولكنه مجنون إن أمرت طهرن بذلك دفعًا للحصار الأمريكي عنها.

الأمر بسيط إذًا، الأمر إبعاد إيران قليلًا عن الجولان، وقليلًا يعني مئتان أو ثلاثمئة كيلومتر، وحبذا لو غادرت نهائيًا إلى العراق، المهم أنه ليس حلًا للأزمة السورية وليس إنهاءًا للحرب كما تروّج آلات الإعلام الرسمية في أمريكا وروسيا وإسرائيل، أو كما يتمنى البعض ممن يمنّي النفس أن يتجرّأ سيد البيت الأبيض بضرب إيران عسكريًا ولو ضربة إعلامية محدودة كما فعل قبل ثلاث سنوات في مطار الشعيرات عقب مجزرة الكيماوي في خان شيخون.

إن اللقاء المنعقد بالأمس واليوم في تل أبيب مجرد إضافة إلى حملة نتنياهو الانتخابية الاستعراضية لانتخابات الإعادة في أيلول/سبتمبر المقبل ومطلوب منه، فضلًا عن الفوز وهو شبه مضمون، أن يضمن قدرته على تشكيل حكومة برئاسته مع مراعاة “ظرف قاهر” وهو أنه يعاني من أثقال اتهامات بالاحتيال وتلقي رشى ومحاولة الحصول على حصانة من التقاضي، وبالتالي فآخر ما يعني نتنياهو أن تحل الأزمة السورية أو اضطلاع إسرائيل بدور في هذا الحل المستعصي على من هو أكبر وأقوى وأكثر فاعلية منها.

كل همّ نتنياهو، الذي اعتبر اللقاء الإسرائيلي الأمريكي الروسي “تاريخيًا” والذي حضره بنفسه دون أي مبرر لذلك، هو الاستعراض واحتلال مكان في الصور التي ستنشرها الصحف والوكالات في إسرائيل وحول العالم، وليكون بندًا في قائمة إنجازاته على الصعيد السياسي الدولي، يفيد منه داخليًا بالمزيد من أصوات الناخبين والمزيد من الحجج في مقارعة الخصوم السياسيين، وخارجيًا مزيدًا من دعم اللوبيات الإسرائيلية والصهيونية في الدول التي تنتشر فيها هذه اللوبيات.

أما الحديث المعلن والمكرر، إلى درجة أنه صار ممجوجًا، عن إخلاء القوات العسكرية الإيرانية من سوريا فهو مجرد واجهة إعلامية شأنها شأن اسطوانة “العمل على استقرار منطقة الشرق الأوسط”، فيما جوهر المحادثات وغايتها مساع إسرائيلية لإعادة التقارب بين موسكو وواشنطن على خلفية الاحتقان “المقموع” من الرئيس دونالد ترامب حول مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية التي دعمته وكانت أحد أسباب فوزه بكرسي البيت الأبيض، والمساعي الحالية لدعم المحاولة الثانية لترامب للبقاء في منصبه.

أما “مستقبل سوريا” و”إخراج إيران” منها، والنشاط النووي الإيراني والتوتر في منطقة الخليج العربي، فهذه أكبر من إسرائيل بكثير ومن نتنياهو أكثر، وإن كان ممكنًا ومتاحًا لتل أبيب لعب دور يمهد إلى خطوات دبلوماسية منها اللقاء بين ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوساكا خلال قمة العشرين المقبلة قبل نهاية الشهر الجاري.

وتل أبيب ليست بدعة من المدن أو العواصم حول العالم التي شهدت مؤتمرات واجتماعات ولقاءات لبحث الأزمة السورية وصولًا إلى حل سياسي ينهيها، وهي بالأساس ليست عضوًا في نادي مدن الدبلوماسية الدولية ولا يمكن أن تكون يومًا ما، ولا يمكن لمدينة هذا شأنها أن تنجح في امتحان خاضته جنيف وفيينا وباريس ونيويورك وسوتشي واسطنبول قبلها وفشلت.

فلا داعي إذًا لأي تفاؤل بما تسفر عنه لقاءات الأمريكان والروس حاليًا على الأقل وبالذات في تل أبيب وبرعاية نتنياهو شخصيًا، فلا الولايات المتحدة الأمريكية قادرة الآن على تحقيق أمنية روسيا بالاعتراف بالأسد ونظامه والتعامل معهما، ولا موسكو قادرة أو تقدر على تلبية رغبة واشنطن بإبعاد وإخراج الإيرانيين من المنطقة، والمعجزة تتطلب المزيد من العمل والجهود وبالتأكيد خارج تل أبيب.

عبدالرحمن ربوع

مشاركة المقال !

اترك تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.