أورد اتفاق الجولة الرابعة من مباحثات أستانة الموقع بين روسيا وتركيا وإيران في الرابع من أيار/مايو الجاري مصطلحا جديدا للتعبير عن الهدنة التي يطمح إليها الروس وحلفاؤهم في سوريا هو “خفض التصعيد”، بعد مصطلحات وقف إطلاق النار والأعمال القتالية والعدائية التي تداولتها اجتماعات وبيانات المباحثات الثلاث السابقة منذ مطلع العام الجاري إثر الاتفاق الروسي التركي في أنقرة نهاية العام الماضي على العمل على ترسيخ هدنة في سوريا تسمح للمسار السياسي بالتحرك والانطلاق باتجاه حل نهائي.
ومنذ 2015 بدأ مسلسل الهدن في سوريا وأبرزها كانت هدنة الزبداني التي مكّنت من إجلاء بعض المحاصرين ونقل مساعدات إنسانية إلى مناطق منكوبة، منها مضايا والزبداني وكفريا والفوعة، وبرز وقف الأعمال العدائية نهاية شباط/فبراير 2016 إثر اتفاق روسي أمريكي. وغالبا ما اعتبرت الهدن مدخلا إلى وقف دائم لإطلاق النار لاستئناف العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة والتي دائما ما خرقها النظام وحلفاؤه ما اضطر المعارضة للانسحاب من جولات التفاوض تحت ضغط شعبي وفصائلي.
مع الغموض الذي يكتنف تفاصيل الرؤية الروسية لمفهوم وآليات تحقيق “خفض التصعيد” في المناطق المحددة في سياق الاتفاق، بالإضافة إلى اختلافات رؤى الشركاء الأتراك والإيرانيين ورؤى الأطراف السورية والإقليمية والدولية المؤثرة، إلا أنه بالمجمل يعني ضبطا للأعمال القتالية بين الأطراف المتنازعة على الأرض ووقف تحليق الطيران الحربي شريطة ألا يُسجَّل أي نشاط عسكري في المناطق المحددة مع مواصلة محاربة التنظيمات المصنفة إرهابية كداعش والنصرة، والتأكيد على توفير وصول مستلزمات الحياة والإعاشة للسكان الذين يقارب عددهم المليونين بينهم 42 ألف مقاتل على الأقل، وتهيئة ظروف العودة الطوعية للاجئين والنازحين.
كما يعطي الاتفاق مهمة للضامنين والداعمين تتمثل بتشكيل فريق عمل مشترك يضع خرائط نوعية للمناطق المشمولة به في إدلب وأجزاء من اللاذقية وحماة وحلب وحمص والغوطة الشرقية ودرعا والقنيطرة لضبط حدودها من حيث السيطرة وتنظيم عمل المعابر ونقاط التفتيش والمراقبة فيها، وضمان وفاء الأطراف المتصارعة بضبط الأعمال القتالية، وتأمين تدفق المساعدات الإنسانية بشكل عاجل وبلا انقطاع، ومساعدة القوات الحكومية والمعارضة على مواصلة القتال ضد داعش والنصرة ومن يلوذ بهما. وأكدت موسكو على أن الاتفاق سيطبق لستة شهور قابلة للتمديد، بينما أعلنت المعارضة أنها ليست جزءا من الاتفاق كما امتنع النظام على التوقيع وإن أبدى ارتياحه الشديد تجاهه.
العديد من المراقبين والمحللين يعتبرون أن الاتفاق تجاوزٌ للقرارات الدولية، وإحداثٌ لواقع ديمغرافي جديد في سوريا ينشئ الظرف الأمثل للتقسيم، وأنه أيضا سيعمل على تعميق الخلافات بين المعارضة سواء السياسية أو الفصائلية، كما أنه لن يسهم في حل الخلافات الروسية التركية الإيرانية ومن يدور في فلك هذه الدول على الأرض السورية، يضاف إلى ذلك إحجام الطرف الأمريكي، رغم حضوره المباحثات، عن القبول بكل ماتم ورفضه أن يكون جزءا منه مع النظر بعين الريبة للدور الإيراني ورغبته في عدم السماح للروس بالاستحواز على الحصة الأكبر في إدارة الصراع في سوريا والتحكم بمفاصله.
وقبل ذلك وبعده لايحقق الاتفاق مصلحة حقيقية للسوريين الذين يريدون إنهاء الحرب المستعرة ووضع حد لفواجع القتل والدمار والتشريد التي يعايشونها يوميا، ولا يحل لب المشكلة المتمثلة بحالة الاستقطاب الشديد بين المعارضة والنظام، كما لايبدو عاملا مساعدا في توفير أجواء تسمح بدفع عجلة المفاوضات التي ستعاود الدوران بعد أيام في جنيف، حيث يبدو أن ترتيبات الاتفاق من خرائط ونقاط مراقبة وغرف متابعة ستتأخر لأسابيع وربما شهور لتبدأ العمل وإنجاز ما اتفق عليه، مع غياب موافقة رسمية من الفصائل والقوات على الأرض بالالتزام والتعاون.
ففصائل المعارضة تطالب بجدول زمني لخروج الميليشيات الأجنبية، وتشدد على ضرورة اتخاد المجتمع الدولي إجراءات عملية للحد من نفوذ إيران وأطماعها في سوريا، كما لاتثق بالطرف الروسي الذي تعتبره غير ملتزم بأي وعد قطعه بوقف القصف على مناطق المعارضة وبوقف دعم الأسد، وتعتبر الخرائط المعدة غير صحيحة وغير مقبولة، كما ترفض مقاتلة داعش والنصرة والتوقف عن محاربة النظام، وتعتبره استسلاما وإعادة إنتاج للنظام ورضوخ له، كما تخشى من الخوض في احتراب فصائلي لن يخدم إلا قوات النظام والميليشيات الحليفة له التي من المؤكد ستخرق الاتفاق وتستغل ذلك للكرّ على مناطق المعارضة بعد أن يحل بها الإنهاك الشديد نتيجة الاحتراب مع النصرة وأخواتها.
وعلى الطرف المقابل يثير الاتفاق ارتياح النظام كونه يؤكد على حرف وجهة سلاح المعارضة تجاه داعش والنصرة، ويقضي على ما اعتبره السوريون ثورة ويحبط أهدافها لينخرط الجميع في حرب لانهائية مع الإرهاب الذي مازال مسببه الأول والأساسي “الأسد ونظامه” متربعا على عرش الأزمة السورية. وهذا عامل أساسي أيضا في رفض أكثر المعارضة لهذا الاتفاق أو تخوفها منه وشكوكها حوله، كونه اتفاقا تريد روسيا فرضه بمساعدة من يفترض أنهم شركاؤها الإقليميين وإقناع السوريين والعرب والغرب به كأمر واقع أو أنه أفضل الممكنات والخيارات المتاحة.
عبد الرحمن ربوع