يتهمه مسؤولون أميركيون بأنه جزء من “دائرة القيادة الداخلية” لتنظيم القاعدة السوري، المعروف على نطاق واسع باسم جبهة النصرة أو جبهة فتح الشام، وقد تم تجميد خمسة ملايين دولار من أمواله وتصنيفه كإرهابي.
لكن الدكتور عبد الله محمد المحيسني يصر على أنه لا يمكن أن يكون أكثر تفاجأ حين علم أن وزارة الخزانة في الولايات المتحدة الأميركية قد صنفته بأنه إرهابي وأمرت بتجميد أمواله في البنوك حول العالم.
حيث قال الدكتور المحيسني خلال مقابلة سكايب مع صحيفة نيويورك تايمز يوم الجمعة الماضي “اليوم يشعر السوريون بالصدمة بعد أن رأوا الولايات المتحدة قد وضعت على لائحة الإرهاب الشخص الذي يعتبرونه رمزا وطنيا”، إشارة منه إلى نفسه، مضيفا “إنه لأمر غريب للغاية”.
وأضاف الدكتور عبد الله المحيسني، في أول اتصال له مع الصحافة الغربية، أنه شخصية مستقلة ولا يتبع لأي جهة أو تنظيم في سوريا، وتساءل “كيف يمكن لوزارة الخارجية الأمريكية أن تصفني بأنني أنتمي إلى جبهة فتح الشام؟”.
واعتبرت صحيفة “نيويورك تايمز” إنكار المحيسني علاقته بجبهة فتح الشام بأنه يرد ضمن محاولة الجبهة مؤخرا قطع أي علاقة بتنظيم القاعدة ومحاولة العديد من القادة فيها نفي أي صلة لهم بالقاعدة أو الجبهة مع تأكيد كل الخبراء في دوائر مكافحة الارهاب أن الجبهة مازالت مرتبطة بالقاعدة ولا يمكنها الفكاك عنها وكل ما يدعيه أعضاؤها وقادتها محاولات تمويه بائسة تأتي ضمن الجهود الرامية إلى التهرب من عمليات انتقامية عسكرية من قوى أجنبية.
فيما يقول محللون آخرون إنها خطوة محسوبة لإخفاء علاقاتها مع تنظيم القاعدة وجبهة النصرة بإعادة تسمية نفسها مؤخرا وحصرها لنشاطها المحلي ضد نظام بشار الأسد، معلنة أنها لم تعد تنوي استهداف الغرب وغيرت اسمها إلى جبهة فتح الشام، أو جبهة فتح بلاد الشام.
ولكن الخبراء ومسؤولي الاستخبارات يقولون إن المجموعة ما زالت جزءا أساسيا من تنظيم القاعدة، والتي مازالت تسعى إلى التنافس مع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” من أجل السيطرة على الأرض والاستحواذ على الدعم كأولوية أولى، وترك المعركة ضد الموالين للأسد كأولوية أقل.
ويقول كولن كلارك، المحلل في مؤسسة راند إن جبهة النصرة هي في الواقع من أكبر فروع تنظيم القاعدة، مع ما يقرب من عشرة آلاف مقاتل، وادعاء الانقسام العلني عن تنظيم القاعدة هو “مجرد خدعة” ووسيلة للمجموعة إلى الاحتماء وإعادة البناء خوفا مما يحصل مع تنظيم داعش الذي يقصف من قبل الغارات الجوية للتحالف الدولي في الرقة ودير الزور هذه الأيام. “وقد تم استخدام هذا الاسم الجديد من قبل قيادات النصرة لإعطاء أنفسهم قليلا من الوقت التقاط الانفاس”، بحسب كلارك.
وكما أن المسؤولين والمحللين لا يقتنعون بمحاولة جبهة النصرة إعادة تصنيف نفسها وانشقاقها عن القاعدة، فإنهم لا يثقون بالاحتجاج الدكتور المحيسني على فرض عقوبات عليه وأنه لا يعدو أن يكون عالما دينيا ولا علاقة له بأي أدوار جهادية في سوريا.
ويتفق الخبراء مع المسؤولين الأميركيين والأوروبيين في النظر إلى الدكتور المحيسني على أنه قيادي بارز في جماعة النصرة، وأنه على علاقات عميقة بشبكة القاعدة الدولية وأنه مسؤول الاتصالات العامة للتنظيم. والمحيسني لطالما رثى ونعى قادة القاعدة وله العديد من المقاطع المصورة التي يحث فيها الشباب والأطفال على العمليات الانتحارية وقد ظهرت سيرته الذاتية حتى في المجلة الخاصة بتنظيم القاعدة “الرسالة”.
وخلال مقابلته مع نيويورك تايمز عبر السكايب، يوم الجمعة الماضي، من غرفة تنيرها لمبة فلورسنت واحدة، بدا المحيسني مسترخيا، وفي كثير من الأحيان أقحم ابتسامة وأظهر أسنانه ضاحكا وهو يصر على أنه لا يشكل أي تهديد للغرب.
وردا على سؤال، حول اتصاله بأيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة العالمي، في عام 2014، أجاب المحيسني: “نعم، لقد تحدثت إلى أيمن الظواهري لأنه هو الشيخ الأكبر سنا وعطاءا عند المجاهدين، وطلبت منه أن يتحدث عن داعش لأن لديه جمهورا كبيرا” مضيفا “كنت أريد منه أن يتحدث عن تنظيم داعش لمنع الشباب من الانضمام والانتساب له”.
ووصف المحيسني الصور التي ظهرت له مع قادة القاعدة الآخرين المعروفين، والتصريحات التي أدلى بها عنهم، أنها “على غرار الصور التي قد تنشأ عن اجتماع قمة تجمع الرئيس أوباما جالسا إلى جانب الرئيس فلاديمير بوتين، وهذا لا يعني أنهما يشتركان أيديولوجيا”.
وبعد أن اتهمته وزارة الخزانة الأمريكية، اتصل المحيسني شخصيا بصحيفة نيويورك تايمز وطلب إجراء حوار معها عبر وسيط، وللتأكيد على هويته قامت الصحيفة بمقارنة صورته على سكايب بصورة رسمية له، فضلا عن مقارنة صوته بتسجيلات سابقة صادرة عنه، كما أنه قام بالتفاعل مع حساب الصحيفة باستخدام حسابه الرسمي على تويتر والذي يضم أكثر من 60000 متابع وأصبح نقطة مرجعية للجهاديين في سوريا.
وقال المحيسني من موقع ما في محافظة حلب للصحيفة: “أنا معروف جدا والناس من حولي كانوا ومازالوا يقولون لي بضرورة أن أخفي موقعي، ولكن لا يمكنني أن أخفي أي شيء لأنني معروف للجميع، وأنا لا يمكن أن أعمل سرا لأحد”.
توماس جوسيلين، المحلل الذي يتابع المحيسني منذ عام 2013، أكد أن المحيسني وثق علاقاته مع تنظيم القاعدة منذ وصوله إلى سوريا، ومن علامات ذلك بحسب جوسلين أن المحيسني لعب دورا هاما في الوساطة بين داعش والنصرة في عدة مرات وقعت فيها خلالفات واشتباكات بين التنظيمين بعد أن بدأ تنظيم داعش بالاشتباك مع تنظيم القاعدة في سوريا بعد أن تبرأت قيادة تنظيم القاعدة من داعش في عام 2014، كما استغل المحيسني شعبيته على تويتر لدعوة عناصر وأفراد تنظيم داعش إلى الفرار إلى تنظيم القاعدة، وكان يشير إلى زعيم تنظيم القاعدة بأنه “شيخ المجاهدين”.
وقال جوسلين إن وصف المحيسني لنفسه بالمراقب المستقل هو جزء من استراتيجية عناصر القاعدة الذين لا يثبتون ولاءهم للتنظيم وينكرون ذلك دائما، ويستخدمون المجموعات الثورية المحلية كورقة تين لإخفاء أهدافهم الحقيقية.
وأضاف جوسلين معلقا على إنكار المحيسني لعلاقته بالقاعدة “إننا نعتبر هذا كمشهد من مسرحية من كتاب تنظيم القاعدة.. إنهم يريدون أن يكون هناك دائما غموض حول الانتماءات التنظيمية لهم، لأنه يجعل الأمر أكثر صعوبة بالنسبة لهم لتحقيق أهدافهم إذا ما عرفوا عن أنفسهم وانتماءاتهم باسم تنظيم القاعدة، لذلك نحن لا تأخذ أي اعتبار لهذا النفي والإنكار”.