” باب الحارة 8 “: الإرهاب والهراء

0

أخبار السوريين: بلحية كثة، وشارب خفيف، يقلب خادم مسجد “باب الحارة” المعروف باسم “سمعو” اتجاه الجزء الثامن من المسلسل، ويحوله من عمل مخصص للثرثرة، وجذب المشاهدين، الى عمل سياسي، أراد النظام السوري منه توجيه رسائل داخلية وخارجية، وتكريس التشدد الديني كعرف منبوذ في البيئة المجتمعية السورية.

لطالما خلا مسلسل “باب الحارة”، ومعه كافة أعمال البيئة الشامية، من شخصيات جدلية ذات توجهات سياسية. فذلك “التريند” الدرامي، تلوّن ببُعد “نضالي”، تمثل في مواجهة الفرنسيين خلال حقبة ما قبل الاستقلال، كتطعيم سياسي لسيرة الحارات الدمشقية وقبضاياتها.

لكن هذا العُرف، سقط في الجزء الثامن من المسلسل، إذ أسقط صنّاعه وداعموه هوية جديدة، في محاولة لإظهار المتشددين كشخصيات منبوذة، تمارس ما يبغضه السوري التقليدي، ابن الحارات الدمشقية “الأصيلة”، وتعتنق أعرافاً مكروهة، كضرب النساء، وفوبيا الآخر واضطهاده.

تلخص شخصية “سمعو” هذا التحول في المضمون البصري. فالرجل، ظهر منذ الحلقة الاولى في الموسم الحالي، متشدداً من الناحية الدينية، ومكروهاً في اوساط الحارة الدمشقية. ويبدو أن الدور سيتطور من شخصية منبوذة، الى شخصية سياسية تلعب دوراً متشدداً، تأثراً برجل دين وصل الى مسجد الحارة، يكره العلمانيين ويهاجمهم، علماً أن العلمانيين يحظون بمحبة أهل الحارة، وهو ما لاقى استناكاراً من اسلكان.

والى جانب رمي مسؤولية إيجاد التشدد على رجال الدين، يظهر “سمعو” كرجل حاقد، ضرب زوجته على خلفية استقبالها زوجة أخيها اليهودية، فخرجت من منزلها لاجئة الى بيت ذويها. وبذلك، رسالة استشرافية لما يعتنقه المتشددون لناحية كراهية الآخر، واضطهاده، وذلك في خضم المعركة الدعائية التي يقودها النظام ضد معارضيه الذين يصفهم، بتعميم كامل، بأنه ارهابيون.

غير أن التكريس الدرامي لفكرة كراهية اليهود، لا تعدو كونها مخاطبة هشّة لرأي عام عالمي، يظهر النظام حامياً للأقليات والتنوع، في مقابل إضطهاد الآخر وفق أدبيات المتشددين. علماً أن مسار الصراع العربي – الاسرائيلي، الذي كان النظام أحد رموزه، أظهر بناء وعي جمعي سوري على عداوة اسرائيل، من غير التفريق بين يهودي واسرائيلي. وعلى مدى 45 عاماً، لم يُسمع عن دور سياسي لأبناء الطائفة الذين تقلص عددهم الى 1200 شخص، ونزح معظمهم من أحياء جوبر والامين وحارة اليهود، الى مدينة بانياس منذ بدء المواجهات العسكرية في حي جوبر الدمشقي حيث دُمر كنيس اليهود بفعل الحرب.

قد تكون شخصية “سمعو”، اختزالاً مفتعلاً لمشكلة التشدد الديني الذي يُبنى عليه الكثير درامياً، بمعزل عن إلغاء الآخر في أوساط المتطرفين. وهي سقطة درامية ودعائية، لا تقدم شيئاً لعمل درامي متهالك، أراد النظام الاستثمار في شعبيته كمسلسل قائم على الثرثرة، بغرض تشكيل رأي عام يخدم توجهات النظام، بإسقاط الحاضر على الماضي. فلا المسلسل، بوصفه عملاً تافهاً طوال أجزائه السبعة، قادر على حمل تلك الرسائل، ولا محاربة التشدد تمر عبر رسائل مبطنة. وبالتالي، فإن الزخم الدعائي النظامي، لا ينظر اليه بوصفه أكثر من محاولة عبثية.

فالمسلسل، بجميع أجزائه، لم يستوفِ شروط الأعمال المجزئة، بالنظر الى تغييرات طاولت شخصياته ومحاوره، وتبدلت وفق خريطة الصراعات والمصالحات بين المخرج والممثلين. ومن جهة أخرى، لم يخصص، منذ بداياته، لتوجيه رسائل سياسية باتت الآن أكثر تعقيداً في ظل الانقسام العمودي بين الشعب السوري على بقاء النظام أو رحيله.

وعليه، يصبح التحشيد الدعائي، محاولة استثمار فاشلة ببضاعة منتهية الصلاحية، كون “سمعو”، بتطور تجربته على مدى ستة أجزاء كمنبوذ وفقير وخارج سياق النفوذ في الحارة الدمشقية، يبرر ذرائع اتجاهه للتشدد أكثر مما يدينه، تماماً كما الكثير من السوريين الذين دُفعوا للتشدد، وتحديداً في تجربة المنضمين الى “داعش”، وتحتاج إعادتهم الى حضن الاعتدال، خطة عمل تواكب الاعمال الحربية التي ينفذها التحالف الدولي، كما النظام السوري.

وبناء عليه، يصح ما كتبه ناشط في “فايسبوك”، قائلاً ان باب الحارة “يشبه الادمان على التدخين، رغم المعرفة المسبقة بمضاره وتفاهته وأوهامه.. لكن ذلك لا يمنع من مشاهدته”.

نذير رضا

مشاركة المقال !

اترك تعليق

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.