أخبار السوريين: تعذيب السجناء داخل السجون الذي عُرف به نظام الأسد ومنذ عشرات السنين كان أحد أهم أسباب اندلاع الحراك الشعبي ضده في أوائل عام 2011، إذ عمد النظام، وما يزال، إلى تعذيب المعتقلين وتجويعهم حتى الموت في كثير من الأحيان، لاسيما أولئك المعتقلون لأسباب سياسية وأمنية تتعلق بهيبة الأسرة الحاكمة أو من يلوذ بها.
طالب المتظاهرون حينها بما كان كامنا في دواخلهم، ولا يستطيعون التعبير عنه، ألا وهو محاكمة المعتقلين بمحاكم عادلة من دون اللجوء إلى الاعتقال التعسفي لفترات طويلة ومن دون العرض على المحاكم التي بدورها تخضع للنظام وسيطرته فلا قضاء مستقل في سوريا كما هو معروف.
لكن أن تنتقل هذه الحالة إلى مئات السجون الجديدة التي أنجبتها الثورة السورية، فلم يكن يتوقع أحد حدوث ذلك، إذ تحدث الانتهاكات في سجون فصائل المعارضة على اختلاف توجهاتها بشكل يومي، ما يثير تساؤلات عدة حول أسباب اندلاع الاحتجاجات ذات يوم، وحول من كانوا يقودونها ويتبنون المطالب المحقة تلك.
ويحكي أحد السجناء الذين قضوا شهورا عدة في سجون دار القضاء في ريف حلب ما شاهده خلال فترة سجنه من انتهاكات، يقول حسان “أمضيت أربعة أشهر في سجن دار القضاء، لم يقم بتعذيبي أحد لكنني كنت أسمع صراخ من يعذبون بشكل يومي، بل إنني كنت أوقن أنهم غابوا عن الوعي، عندما يخفت الصوت تدريجيا ويتوقف تماما، وحدثني بعض السجناء القدامى عن أشخاص قضوا تحت التعذيب في هذا السجن بتهم مختلفة منها التجسس لصالح النظام، ومنها الانتماء لتنظيم داعش، وما إلى ذلك من تهم قد توجه إلى كل من يخالف التوجهات المطروحة في المنطقة”.
ويضيف “كانت تصلني أنا والسجناء أسوأ أنواع الطعام، وبكميات قليلة جدا فقط لتبقينا على قيد الحياة، وغالبا ما يرسل إلينا السجانون النفايات الناتجة عن طعامهم لنتناولها، وكنا نأكل كل ما يصلنا فلا بد من ذلك، لأننا إن رفضنا الطعام لن نحصل على غيره بل سنموت جوعا”.
مورست في معظم السجون التابعة للألوية والكتائب انتهاكات كثيرة حيث عذب السجناء لفترات طويلة كثيرا ما انتهت بموتهم.
ويقول شخص يدعى “أبو معتز” وهو سجان يتبع لأحد ألوية ريف حلب المعروفة متفاخرا عن كيفية تعذيبه لأحد السجناء المتهمين بالعمالة للنظام، فقال “علقته من قدميه ليكون رأسه للأسفل وذلك بواسطة “البلنغو”- وهي أداة رفع تستخدم لرفع الأشياء ذات الوزن الثقيل بواسطة خطاف ضخم – وبدأت بصعقه بالكهرباء، ورغم ذلك لم يعترف”.
يواصل بفخر “عذبته بكل الوسائل إلا أنني لم أحصل منه على أي اعتراف، لدرجة أن بعض عناصر السجن الذين يعملون تحت إمرتي حزنوا لأجله وطلبوا مني التوقف”.
ولدى سؤال أبي معتز عن جواز استخدام هذا الأسلوب مع السجناء لإجبارهم على الاعتراف، قال حرفيا: “ما حدا بيعترف إلا هيك”.
وهنا لا بد من طرح تساؤل هام.. ترى لماذا ثار السوريون ضد النظام إن كان بعض منهم سيقومون بكل ما قام به من انتهاكات للإنسان بغض النظر عن جرمه؟، لم يجب السجان الفخور بأي كلمة حينها.
لقد مارست مختلف الجهات العسكرية المسيطرة على المناطق السورية أساليب التعذيب نفسها التي انتهجها النظام السوري، ناهيك عن تصفية المعتقلين بإطلاق النار عليهم من دون أية محاكمات، وحتى حين إجراء المحاكمات كانت كل جهة تعمل بقانونها الخاص الذي يوجده غالبا زعيمها العسكري أو الديني، وفق ما يعرف من أحكام وما يقتنع به من عقوبات، فمحاكم جبهة النصرة تختلف قوانينها عن محاكم تنظيم داعش، فيما محاكم ألوية الجيش الحر تختلف عن دور القضاء المستحدثة، إلا أن كل هذه المحاكم تتميز بخلوها من القضاة المختصين.
المحامي “عبد اللطيف” ذكر أسباب ابتعاد القضاة والمحامين عن تلك المحاكم وعلل ذلك بقوله: “نحن درسنا القانون وفق المناهج التي تعلمناها في الجامعة، كما يطبق القضاة السوريون قانون العقوبات المعتمد في سوريا منذ سنوات طويلة، لكن المحاكم الجديدة معظمها يحكم بالشرع الإسلامي الذي نعرف عنه الكثير كوننا مسلمين، لكن المشكلة تكمن في أن الشرع الإسلامي عند كل فصيل يختلف عن الشرع الإسلامي عند البقية، فلكل شرعه، ولنا نحن…” وصمت قليلا وأردف: “اللجوء إلى تركيا”. محمد إقبال بلو. القدس العربي.